[1-5] القلب: أهمّيته, عداوة الشيطان، أقسام القلوب



  [1]
أهمّية العناية بالقلب:

«لما كان القلب لهذه الأعضاء كالمَلِك المتصرّف في الجنود،

الذي تصدر كلّها عن أمره،

ويستعملها فيما شاء، فكلها تحت عبوديته وقهره،

وتكتسب منه الاستقامة والزيغ، وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحلّه،

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: 
"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلحَت صَلحَ الجسدُ كلُّه". [البخاري ومسلم].

فهو مَلِكها، وهي المنفّذة لما يأمرها به، القابلة لما كان يأتيها من هديه، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده ونيّته. 

وهو المسؤول عنها كلها (لأنَّ كل راع مسؤول عن رعيّته).

← كان الاهتمام بتصحيحه وتسديده أَوْلى ما اعتمد عليه السالكون، والنظر فى أمراضه وعلاجها أهمّ ما تَنَسَّكَ به الناسكون».

   [2]
تربُّص الشيطان بالقلب؛ والنجاة منه:

«لمّا عَلِم عدوُّ الله (إبليس) أنّ المدار على القلب والاعتماد عليه،

أجلَبَ عليه بالوساوس، وأقبَلَ بوجوه الشهوات إليه،

وزيَّنَ له -من الأقوال والأعمال- ما يصدُّه عن الطريق،

وأمدَّه -من أسباب الغيّ- بما يقطعه عن أسباب التوفيق،

ونَصَبَ لهُ -من المصايد والحبائل-: ما إنْ سَلِمَ من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق،

 *فلا نجاة من مصائده ومكائده إلا:
←بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعرُّض لأسباب مرضاته،
←والتجاء القلب إليه، وإقباله عليه فى حركاته وسكناته،
←والتَّحقُّق "بذلّ العبودية": الذي هو أَوْلى ما تلبَّس به الإنسان ليحصل له الدخول في ضَمان: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42].

فهذه الإضافة هي القاطعة بين العبد وبين الشياطين،

وحصولها يسبّب تحقيق مقام العبودية لرب العالمين،

وإشعار القلب إخلاصَ العمل ودوامَ اليقين،

* فإذا أُشرِبَ القلب العبوديّة والإخلاص:

←صار عند الله من المُقَرَّبين،  
←وشمله استثناء: {إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40]».

[3]
أقسام القلوب/ 1-القلب السليم:
 
«لما كان القلبُ يُوصَفُ بالحياة وضدّها، انقسم بحسب ذلك إلى هذه الأحوال الثلاثة 
[صحيح وسقيم وميت].


فالقلب الصحيح: هو القلب السليم الذى لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال تعالى:
 
{يومَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليِمٍ} [الشعراء:88-89] .


وقد اختلفت عبارات الناس فى معنى القلب السليم،


والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سَلِمَ من كل شهوةٍ تُخالف أمر الله ونهيه، ومن كلّ شبهة تعارض خبره.


 فَسَلِمَ من عبودية ما سواه، 
 
وسَلِمَ من تحكيم غير رسوله.


 فسَلِمَ من محبّة غير الله معه؛ ومن خوفه، ورجائه والتوكّل عليه، والإنابة إليه، 
والذلّ له، وإيثار مرضاته فى كل حال والتباعد من سخطه بكلّ طريق.


وهذا هو حقيقة العبودية التى لا تصلح إلا لله وحده.


قد خَلَصَت عبوديته لله تعالى: إرادةً ومحبةً، وتوكلا، وإنابة، وإخباتًا، وخشية، ورجاءً.


 وخَلصَ عمله "لله"؛ فإن أحبّ أَحَبَّ في الله، وإن أبغضَ أبغضَ في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله.


ولا يكفيه هذا حتى يَسلَمَ من الانقياد والتحكيم لكلّ مَن عدا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-،


فيعقد قلبه معه عقدًا مُحكَمًا على الائتمام والاقتداء به وحده، دون كلّ أحد في الأقوال والأعمال؛


مِن أقوال القلب: وهي العقائد، 
 
وأقوال اللسان: وهي الخبر عمّا فى القلب. 
 
وأعمال القلب: وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها، 
 
وأعمال الجوارح.


  [4]
2-القلب الميت: 
 
«القلب الثاني: وهو القلب الميت الذى لا حياة به،
 
فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره وما يحبُّه ويرضاه،
 
بل هو واقفٌ مع شهواته ولذّاته -ولو كان فيها سخط ربه وغضبه؛

-فهو لا يبالي -إذا فاز بشهوته وحظّه- رضيَ ربُّه أم سَخِط

-فهو متعبّد لغير الله حُبًا وخَوفًا، ورجاءً، ورضًا، وسخطًا، وتعظيمًا، وذلًّا.
 
إنْ أحبَّ أحبَّ لهواه، وإنْ أبغَضَ أبغضَ لهواه، وإنْ أعطى أعطى لهواه، وإن مَنَع منع لهواه.

- فهواهُ آثر عنده وأحبُّ إليه مِن رضا مولاه
 
فالهوى إمامُه، والشهوة قائدُه، والجهل سائقُه، والغفلة مركبه.
 
فهو بالفكر فى تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحبِّ العاجلة مخمور.
 
يُنادَى إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد، فلا يستجيب للناصح، ويتّبع كل شيطان مريد
 
 الدنيا تُسخِطُه وتُرضيه، والهوى يُصِمُّه -عمّا سِوى الباطل- ويُعميه

-فمُخالَطة صاحبِ هذا القلبِ سقم، ومُعاشرته سمّ، ومُجالَسته هلاك».

[5]
 3- القلب المريض:

«والقلب الثالث: قلبٌ له حياةٌ، وبه عِلّةٌ،
فَلَهُ مادَّتان؛ تمدُّه هذه مرّة، وهذه أخرى، وهو لِما غَلبَ عليه منهما،

- ففيه -من محبّة اللهِ تَعالى والإيمان به والإخلاص له، والتوكُّل عليه-: ما هو مادّةُ حياته،

- وفيه -من مَحبّةِ الشهواتِ وإيثارِها والحرصِ على تحصيلها، والحسد والكبر والعجب؛ وحبّ العلوّ والفساد فى الأرض بالرياسة-: ما هو مادّة هلاكه وعطبه،
وهو مُمتَحَنٌ بين داعيين:

- داعٍ يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة،

- وداعٍ يدعوه إلى العاجلة.
 
وهو إنّما يجيب أقربهما منه بابًا وأدناهما إليه جوارًا».
💟 
ღ خلاصة القلوب الثلاثة:
«القلب الأول: حيٌّ مُخبِتٌ ليّنٌ واعٍ،
 والثاني: يابسٌ ميت،
والثالث مريض: فإمّا إلى السلامة أدنى، وإمّا إلى العطب أدنى».

[ من كتاب: "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان" 
لابن القيّم -رحمه الله-].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق